يرى الكثيرون أن البورصات أصبحت مدمنة على الفوائد المتدنية، كما هي حال المدمن على المخدرات، وأنه لم يعد بإمكانها التخلي عنها. فهل لهذا السبب قرر مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي التراخي في تشديد سياسته النقدية؟ يتساءل جان غانيون في مقال على موقع مجلة "Les Affaires" (أي "الأعمال") الاقتصادية الصادرة في مونتريال.
يُذكر هنا أن مجلس الاحتياطي الفدرالي قرر يوم الأربعاء إبقاء سعر الفائدة لليلة واحدة على 0,5%، وقال إنه من المرجح أن يتم رفع سعر الفائدة مرتيْن فقط خلال العام الحالي، وعلل ذلك بأن اقتصاد الولايات المتحدة ينمو بوتيرة معتدلة وأن المخاطر الاقتصادية العالمية لا تزال تشكل مصدر قلق.
ويذكّر غانيون بأن الاحتياطي الفدرالي قام في 16 كانون الأول (ديسمبر) الفائت برفع سعر الفائدة لليلة واحدة بربع نقطة مئوية ليتراوح بالتالي بين 0,25% و0,50%، وأنه أعلن أنه سوف يرفع معدل الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية أربع مرات في عام 2016.
وتزامن ذلك مع بداية تراجع هام للأسواق المالية، وبعد أقل من شهريْن كان مؤشر "ستاندارد آند بورز 500" الذي يضم أسهم 500 من كبريات الشركات الأميركية قد فقد نحواً من 10% من قيمته، يلفت غانيون. لكن المؤشر استعاد منذ ذلك الحين جزءاً كبيراً من خسارته، وفي وقت كان فيه أعضاء من مجلس الاحتياطي الفدرالي يجادلون بضرورة تأجيل موعد الزيادة التالية لسعر الفائدة وتخفيض عدد الزيادات المنوي القيام بها. وهذا ما أعلنه المجلس قبل يوميْن، يقول غانيون في مقاله.

وينقل غانيون عن محللة الشؤون الاقتصادية والمالية في الولايات المتحدة كارولاين بوم قولها إن ما من شك في أن المداخلات العامة لأعضاء مجلس الاحتياطي الفدرالي تركت وقعاً هاماً على الأسواق المالية.
"هذا العلاج النفسي من خلال الكلام أصبح من الأدوات المفضلة لدى الاحتياطي الفدرالي لأنه يستند إلى فكرة مفادها أن التوقعات تُدمج في أسعار السوق وفي السلوك الاقتصادي قبل وقت طويل من اتخاذ القرارات"، ينقل غانيون عن بوم.
فهل يمكن الاستنتاج بأن قرار الاحتياطي الفدرالي يوم الأربعاء جاء رداً على تقلبات مؤشر "ستاندارد آند بورز 500"؟
هذه الفكرة بأن الاحتياطي الفدرالي هو العين الساهرة على الأسواق المالية تعود إلى الفترة التي كان فيها آلان غرينسبان رئيساً لمجلس الاحتياطي الفدرالي، يقول الصحافي الاقتصادي في مجلة "Les Affaires" ("الأعمال").
وهذه الجرعة الجديدة المُعطاة من قبل الاحتياطي الفدرالي يوم الأربعاء قوبلت بارتياح في الأسواق المالية. وهذا ما ظهر سريعاً بعد صدور القرار، فأقفل مؤشر "ستاندارد آند بورز 500" جلسة الأربعاء على 2027 نقطة، أعلى مستوى له في السنة الحالية. وواصل المؤشر الارتفاع أمس واليوم، فأقفل الأسبوع على 2049,58 نقطة.
وينقل غانيون عن الخبير الاقتصادي في مصرف "ديجاردان" التعاوني (Caisses Desjardins) فرانسيس جينيروه قوله إن العلاقة بين الاحتياطي الفدرالي ومؤشر "ستاندارد آند بورز 500" ليست مباشرة بقدر ما قد يبدو للبعض، "لكن ردود فعلهما على العناصر نفسها تصدر بشكل مترادف".
ويعطي جينيروه مثالاً على ذلك تراجع أسعار النفط الخام. حجم التراجع زاد من مخاطر دخول الاقتصاد مرحلة ركود، فكانت ردة فعل الأسواق المالية على هذا الأمر سلبية جداً، وهذا ما جعل الاحتياطي الفدرالي يدرك أن عليه تأجيل الزيادة المقبلة لسعر الفائدة.
استمعوا